الجمعة، 16 أكتوبر 2009

الابيقوريون والسياسة

الابيقوريون والسياسة
بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة دائرة المرأة العالمية في نيويورك موضوع رقم ( ن 9 م 89 ز 455 ) حقوق النشر محفوظة
الابيقوريون
ينتسب الفكر الابيقورى إلى ابيقور (342 270 قبل م) ويعتقد بإن الحياة السعيدة قوامها الابتعاد عن القلق والهم ويقول في ذلك اللذة، هي بداية الحياة المباركة ونهايتها ولا يتأتي تصور فكرة الخير إن استبعدنا لذائذ حاسة الذوق واستبعدت لذائذ الحب، ولذائذ حاستي السمع والبصر، ولكن يجب أن تتجة غاية المرء أن يكفل لجسده التوازن ويفضلة بتجنّب الإنسان الآلآم الجسدية والنفسية.
ويرتكز فكر ابيقور السياسي على الابتعاد عن الحياة العامة ولايقر بالتساوي المركزي بين المجتمعات لأنه يوجب العداء والتباغض.
ويرى إن الدين والموت مصدريين اساسين الخوف وسار بذلك إلى الاتجاه المادي ويعتبر وجود الدولة على اساس كفالة الأمن والاستقرار وللوقوف امام المفيدين، ويعتقد بإن طبيعة المجتمع البشري قائمة على الانانية بالسليقة ويجرون وراء مصالحهم الذاتية فإن حقق البعض خيرا أفسدته انانية البعض الآخر فأصبح لا مناص لهم جميعا من الاتفاق الضمير على الامتناع عن احاقة الأذى بعضهم ببعض إذ ليس ارتكاب الظلم سيئا في حد ذاتة لكن مكابدة عواقبه ومعاناة تبعاته دون أن يجد المظلوم من يدفع عنه المكارة هو اسوأ من أي شيء آخر فكان إنّ تعاهد الناس على احترام حقوق بعضهم بعضا اتقاء لما يصيب البعض من مكائد البعض الآخر[1].
كما يحدثنا سباين أيضاً، إن اكثر أجزاء المذهب الابيقوري جرأة، وقد كانت هذه المدرسة نقداً لاذعا لكل صنوف العادات والعقائد الخرافية مثل العرافة والتنجيم وكان ذلك في الحقيقة شرا كبيرا وكانت صحيفتها في هذا المجال مشرفة على عكس مدرسة الرواقيين التي كانت دائما على استعداد عظيم لتلمس ظلالي من الحقيقة في عقائد شائعة كان من الجلي عدم صحتها[2]. وإنّ نشأة عدم الدول في نظر الابيقوريين ليست إلاّ لتوفير للإطمئنان وبخاصة عن عدوان الغير فالناس جميعا انانيون ولا يسعون إلاّ إلى مافيهم خيرهم الخاص ولكن هذه الطريقة تجعل خير كل فرد مهددا بأفعال الآخرين الصادرين عن هذه الانانية نفسها[3].
ويذكر جورج اسباين رأي ابيقور صيرورة الدولة عبارة عن كون الناس يعمدون إلى توفيق عملي يحترم الإنسان بمقتضاة حقوق غيره لكي يحصل منهم على مثل هذا الاحترام لحقوقة وعلى هذا النحو تظهر الدولة والقانون كتعاون يسهل التعامل بين الناس، وإذا انتفى وجود مثل هذا العقد انتفى وجود العدالة، فالقانون والحكومات إنّما يقومان من اجل الآمن المتبادل[4].
وتقوم فلسفة الابيقوريين الاجتماعية على الجانب المادي حيث يرجعون كل صور الحياة واشكالها إلى اسباب طبيعية مادية ويسير ابيقور في فلسفته ضد أفلاطون وارسطو في كون الإنسان مجبولاً على الانفراد، وليس كائنا اجتماعيا حيث كان في مطلع حياة الإنسان الأول يصارع الوحوش ويلتمس المادي في الكهوف وكانت لغته ناشئة عن الصيحات التي كان يعبر بها غريزيا عن انفعالاته[5].
ويرى ابيقور أن المدينة وليدة قوى الإنسان الطبيعية العاملة في نطاق الظروف التي هيأتها البيئة الطبيعية وإنّ الآلهة ناتجة عن الاحلام، وإنّ اقامة الدولة اساسها الحاجة إلى الأمن[6].
ويمكننا أن نطل الضوء على الفكر السياسي الابيقوري وفلسفته الخاصة التي تستند إلى الجانب الشهواني والابتعاد عن ساحة المتافيزيقا والموضوعات التجريدية بينما اصالة الفكر السياسي قائم على الاعتبار العقلي مع مرونة الموضوع.
وإمّا عدم تمسكة بالتساوي المركزي فهو على عكس ما تصوره من وجود العداء والتباغض لإنّ الاعمال الوظيفية إذا كانت في خط المساواة توجب انعدام البغضاء والعداء ولا تقريبقائهما.
واعتبار الابيقوريين كون الدين والموت اساسين للخوف فدعوى بدون برهان لإنّ الخوف من الصفات الغريزية، وليست من الافعال المكتسبة، فالدين يوجب العقاب الآخروي على مخالفة المقررات القانونية الآلهية، كما يسري على ضوئة التشريع الوضعي عند مخالفة مقرراتة القانونية يلاقي العقوبات الجزائية، كما أن الموت يعاكس غريزة البقاء، فلابد أن يدرسا بما هما لا بما ينتج عنهما الخوف حتى يكونا في صفحة السير المعاكس للذة والسعادة. ويبدو في تصوير الابيقوريين لكيان الدول على اساس الأمن والإطمئنان والوقوف امام المغيرين فهذا في واقعة قد اعطى بعض الاضواء عن حياة الدول واثرها الاجتماعي ولم يوف الجوانب الآخرى التي ترتكز عليها صفحات الدول، وإمّا تصويرهم في المجتمع البشري على الانانية والانطواء الذاتي وإنّ كنا نعتقد أن الاصالة للفرد دون المجتمع لكن هذا لايقر على وجود الانانية، بل من حيث اصالة ذاتة ولكنه يرتبط بعلاقات على اختلاف اسبابها مع ماتجد معه في النوعية الحيوانية الناطقية.
ومن الغريب ما نلاحظ من ابيقور حيث يرى أن الظلم بما هو ليس قبيحا ذاتيا والّذي بمعنى النظر في الطبيعة الكونية يجد فيها الحسن لذاته والقبيح لذاته فالقيام باكرام الضيف والإحسان للفقير واحترام العالم كلها اعمال حسنة لذاتها، كما إنّ الافعال المعاكس لهذه الموضوعات وغيرها توصف بصفة الظلم كظلم اليتيم وضربه أو سلب حقوق الفقير وطرد الضيف، أو عدم احترام العالم كلها اعمال قبيحة لذاتها واخذ الحيثيات في العناوين الآخرى خارجة عن النظر إلى الافعال بما هي.
وإن كنا نؤيد الابيقوريين في نقدهم للعادات والتقاليد والخرافات والتنجيم الّذي لا يبتني على قواعد فلكية، ولكن بما لها آثار سيئة على المجتمع وإمّا لو قدر لها وجود صالح فلا يصح أن نشهّر عليها من غير دليل ولذا تجد أن بعض الانحراف والتقاليد قد اقرتها القوانين الوضعية والتشريعية والآلهية، وربما جعلتها من جملة المصادر على مقرراتهم القانونية، فهذا لايمكن انكاره وإنّما يراد من الانحراف والخرافات التي توجب افساد المجتمع وجعله في حياة قهقرائية تحفّه شبكة الخيالات والاوهام التي تحط من معنويته وكرامته، ولذا تجد الفهم الإسلامي يطلنا على انكار مثل هذه الخرافات، كما ورد عن رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله (رفع عن امتي تسعة أشياء: الخطأ والنسيان وما اكرهوا عليه وما لا يطيقون وما لا يعلمون وما اضطروا إليه والطيرة والحسد والوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة[7].
المصدر بحث رقم ( 134 ) اية الله ال شبير الخاقاني تحقيق الدكتور الشيخ سجاد الشمري


________________________________________

[1] . الفكر السياسي 137 ـ 138، ج 1 ـ فؤاد محمد شبل

[2] . تطور الفكر السياسي ج 1 ـ ص 170.

[3] . المصدر نفسه: ج 1، ص 172.

[4] . المصدر نفسه: ج 1، ص 171.

[5] . المصدر نفسه، ج 1، ص 173.

[6] . المصدر نفسه، ج 1، ص 174.

[7] . الخصال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق