الجمعة، 16 أكتوبر 2009

الإبداع وطبيعة الانتزاع

الإبداع وطبيعة الانتزاع
بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة دائرة المرأة العالمية في نيويورك موضوع رقم ( 5 ا 5 ي 4 ص ا 5 ي 4 ص ) حقوق النشر محفوظة

من الأمور الّتي يتحرك الابداع نحوها الوصول إلى المباني الكلية والضوابط العامة بعد سبر منطقي وإرجاعات علمية متناسقة فيقوم بدور الانتزاع والاستنباط سواء كانت تلك المباني الأصولية والضوابط الكلية مأخوذة بنحو الأمور المدرسية والمنطقية العامة أو ما يصطلح عليها بالأصول الموضوعة وهي المسلمة لدى الجميع في ناحية الاستنتاج أم كانت محددة قد ارتدت رداء الشرع أو العقل أو العرف، وبذلك
تكون منساقة إلى المباني الجزئية دون الارجاع إلى الأصول العامة الّتي تتساير مع كافة المباني المشتركة في عنصر الاستنباط العام.
وعليه عندما يكون الابداع في حركته العلمية تارة بإطار المبادئ فينتزع منها أيضا سلسلة متناسقة من المبادئ أيضا وأخرى بإطار النتائج فيمكن بواسطة القوة الذهنية أن ينتقل إلى نتائج جديدة أو ما يسمى بالتوليد الاستنباطي المأخوذ عن طريق الملازمات القريبة لذلك المستنبط منه أو كان بواسطة الملازمات البعيدة إلاّ أنها داخلة في سلسلة الاستنباط أمّا لجهة العناصر المشتركة وإمّا لجهة الأنس الاستنباطي بلحاظ الملاك العرفي وعلى كلا المسارين من المبادئ أو من النتائج يدخلان في كل الابداع العلمي العام.
ومثال ذلك بالنسبة إلى المبادئ في مجال استنباط الإمارة أو ما نصطلح عليها بالنقلة الروائية عندما تكون متوقفة على الظهور اللفظي من قبل أبناء اللغة فإذا انتزع الظهور من البناء اللغوي وصح الاستنباط منه على شكل ضابطة كلية يمكن أن ينتزع ما وراء ذلك موضوع آخر متعلق بالظهور أو من الكلام الصادر من اللغويين في ناحية استخراج اللغة بمات يكوّن فيه جهة الاجتهاد من قول اللغوي فيوجب بذلك الدخالة في سلسلة الاستنباط بما هو المتولد من تلك المبادئ ويكون بذلك توسعة في المقدمات لاثبات الظهور العام.
كما إنّ مثال الاستنباط الثاني من الاستنباط الاول عندما يجعل الأول على شكل قياس فيتولد من ذلك استنتاج أصولي جديد يأخذ شكلاً مبتكرا أو ما يطلق عليه بالابتكار في المباني الأصولية العامة أو الخاصة كالنظر إلى الإمارة بما أنها تعكس حجية الظهور العامة، فتارة يكون الاستنباط منها من خلال الحكاية والكاشفية وأخرى يستنبط منها ما أنها في مقام المتممية والكاشفية على نحو ينظر إليها هي الواقع بلسان التعبد الشرعي فتكون بذلك فردا عرضيا للجهة الواقعية ولكنها أخذ عن طريق التعبد الشرعي، وعليه يختلف لسان الامارة على المبنى الأول والثاني كما أنها تختلف الامارة بنحو الاستنباط أو الانتزاع من النتيجة الاستنباطية الأولى.
وعليه يكون مقتضى السير الطبيعي لحركة الانتزاع هو أن ينظر إلى المقدمات
على شكل قياسي فيتولد منها النتيجة الصحيحة ويقع الانتزاع في المرتبة المتأخرة.


ـ الابداع ودور النظرية
يقع الكلام في اطار الابداع والمقارنة مع النظرية وذلك بأن يتصور الابداع في اطار النظرية كتصور الجاذبية لينوتن فإنه وإن تعرض إليها في وقتها لم تقع موردا لقبول عصره أو كما ورد عن الامام علي عليه‏السلام عندما مرّ في العراق ووجد تدافق المياه قال: «لو شئتم لاستخرجت من ماءكم نورا» فقال من حوله أنه جنّ ابن أبي طالب، حيث لم يتوصل معاصروها إلى تلك القدرات العلمية وإن كان هناك فرق بين ما يفرضه نيوتن وما يقوم به دور الامام علي عليه‏السلام في ناحية الابداع العلمي وهي الّتي لا تقبل الرفض.
والمهم أنّ بعض النظريات قابلة للمناقشة من حيث مباديها ونتائجها فإذا لم توافق القواعد العلمية كما في نظرية دارون بأنّ أصل حقيقة الانسان من القرد، وإنما عرض عليه التطور حتى أصبح إنسانا فإنّ القانون العلمي يأبى أن يكون الانسان من حقيقة الحيوانات العجماوية ابتداء وإن كان في أصل الجينية واحد، وإنما الاختلاف من حيث الحقيقة فما عليه وجود الانسان من الناطقية والقوة العاقلة لا يمكن أن يكون في بدايته فردا ثم تطور إلى وجود الانسان.
ولو تمّ ذلك لكان هذا الحكم يسري إلى بقية الحيوانات الأخرى، فلم نجد لديناصور تحول إلى حيوان آخر كالجمل ونحوه فإنّ ذلك خلاف السير العلمي، هذا مع أنّ القرآن يبطل هذه النظرية وإنما يرجع الإنسان إلى اصل الحقيقة الّتي نشأ عليها وهو التراب، ثم من النطفة إلى العلقة وإلى المضغة إلى وجود الإنسان المتكامل من حيث اللحم والعظم، فماهية الإنسان مختلفة عن ماهية القرد وإنّ حصول التطور في الأمور العرضية في ناحية القرد لا يكونه على وجود إنسان متكامل الخلقة في المادة والصورة وإنّ حقيقة الجينات الّتي عليها الانسان غير الجينات الّتي هي قائمة على وجود القرد.

والمهم أنّ النظرية وإن وجدت بعدا علميا وإبداعا متطورا إذا أصبحت في مسار الضوابط العلمية وإن لم تتماش مع مواكبة العصر في وقتها، ولكنها بعد الظروف الملائمة سوف تنتصر وتصبح مشعلاً في سماء العلوم الابداعية المتطورة في حينها.
وأمّا في حال عدم مطابقتها للقوانين العلمية الواقعية فسوف يؤول أمرها إلى الرفض وعدم الاستجابة من ذوي العقول النيرة وإن أخذت شكلاً صوريا في ناحية الحركة العلمية.

ـ مقومات الإبداع
مما يرتكز عليه الابداع العلمي على العناصر الآتية:
1 ـ الرؤيا التجديدية في واقع العلم سواء كان ذلك بمنظار تطوري يحدث بما وراء الموضوع نفسه فيعطيه ارتقاء وجمالاً وذلك بنحو التزيين والمكملات أو النظر إلى وجود الابتكار في ذات الموضوع دون ما يعرض على الموضوع من حيث الصفات والعوارض اللاحقة للموضوع.
2 ـ السير التكاملي لانتهاء أمد المبادئ وتمامية فعلية النتيجة واظهار كلية الثمرة المترتبة على كلي الابداع النظري والعملي.
3 ـ اللحاظ بما يرتبط بحركة الاستنتاج وإدخاله سواء كان ذلك عن طريق المبادئ أم في طرف النتائج ليحصل من ذلك تمامية الوصول إلى الاستنباط حتى يأخذ ذروته في ناحية الابداع المتأصل دون الإبداع التبعي.
4 ـ النظر إلى دور منشأ الانتزاع في مقام الاستنتاج هل كان في اتجاه كبرى آفاقية لحركة الاستنتاج العام أو كان في اطار الاستنتاج المحوري وبذلك يمكن أن يقسم
الابداع إلى قسمين:
أ ـ الابداع الآفاقي.
ب ـ الابداع المحوري.
الابداع الآفاقي
أمّا بالنسبة إلى القسم الأول فيكون في بيان الضابطة الكلية للمدرسة الاستنباطية العامة، ويكون تحت منحى إبداع شمولي.

الابداع المحوري
وأمّا بالنسبة إلى القسم الثاني فيكون في بيان الضابطة الكلية بنحو الاتجاه المذهبي دون الاتجاه المدرسي، وعليه يكون الابداع خاصا.
كما يمكن تقسيم الابداع إلى نوعين آخرين أيضا:
1 ـ الابداع المسانخ.
2 ـ الابداع المفارق.
وذلك عندما يستقر دور الابداع في المبنى المبتكر فإن أخذ في سلسلة الارتباط بين الاستنتاج السابق والاستنتاج اللاحق بحيث يوجب ترتب المتأخر على المتقدم في وحدة الاستنتاج على أن يكون بينهما جهة طولية كما في العلم الاجمالي الكبير والعلم الاجمالي الصغير أو البناء على تعارض الاصول في أطراف العلم الاجمالي بعد موت جميع أطراف العلم يكون الاستنتاج متولدا من جديد وإن كنا نخالف هذا المسلك في محله ولكن كنظرية علمية في أصل موضوعها يمكن مسايرتها على موضوع الابداع المسانخ لحركة كلا العلمين الاجماليين بلحاظ أنه كلما يأخذ في دور المنجّزية من طرف العلم الاجمالي الكبير كحدوث الغصبية فيما بين احد الطرفين فإذا قدر حصول الغصبية في الأواني الخزفية دون الزجاجية فهل يوجب سريان العلم الاجمالي إلى الصغير أم لا؟
وأمّا بيان الابداع المفارق وهو أن يكون بين العلم المستنتج الأول والثاني مفارقة في ناحية المقدمات أو في ناحية النتيجة أو في ناحية الثمرة ولكن بعين ذلك له جهة الموضوعية والاستقلالية في ضوابطه الكلية ولم يؤخذ فيه جهة الطريقية إلى المباني والقواعد السابقة لما يحمل في طياته جهة الاستقلالية في ناحية الابداع العلمي النظري أو العملي.
المصدر بحث رقم ( 105 ) اية الله ال شبير الخاقاني تحقيق الدكتور الشيخ سجاد الشمري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق