الجمعة، 16 أكتوبر 2009

الابداع ونظرية الارجاع

الابداع ونظرية الارجاع
بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة دائرة المرأة العالمية في نيويورك موضوع رقم ( 5 ر 6 ت 890 ز) حقوق النشر محفوظة

مما يثير الالتفات إليه أنّ الابداع بما يقوم على استخراج الطاقات الفكرية المتولدة من المبادئ المخزونة فينتج منها كبريات عامة، وربما يكون البناء العلمي مستنبطا من مبادئ استنباطية سابقا على شكل قياس استنباطي عام بحيث تكون الحركة عند ضم الكبرى الاستنباطية إلى موضوعها فيوجب بذلك انتزاع ضابطة كلية عامة حركية قابلة بأن تطبق على موارد كثيرة فإنّ مثل هذا لا يمت إلى جانب الابداع، وإنما يأخذ بنحو الاعداد في ناحية تشكيل قياس استنباطي وهذا لا علاقة له في ناحية الابداع، وإنما كان في دور الحركة إلى تهيئة المقدمات المنتجة للحصول على الاستنباط العام، وعليه لابدّ أن يفرق بين ما يرتكز عليه موضوع الابداع وما يقوم على
مبادئ استنباطية لتأليف قياس مستنبط كما أنّ هناك جهة خلاف فيما يتحرك المستنبط أن يستخرج النتيجة من خلال الاستبطان غير ما عليه موضوع الارجاع إلى المبادئ الاستنباطية، وعلى هذا لابدّ أن تدرس المفارقات الّتي تبتني عليها نظرية الارجاع:
1 ـ الارجاع الاستذكاري. 2 ـ الارجاع الاستقرائي. 3 ـ الارجاع الاستبطاني.
4 ـ الارجاع التأليفي. 5 ـ الارجاع الاحتمالي (الترددي).
6 ـ الارجاع الايحائي. 7 ـ الارجاع الاستنباطي.

الارجاع الاستذكاري
أمّا بيان الارجاع الاستذكاري وهو المراد به الرجوع إلى المعلومات المخزونة لدى الذهن وفتح الصور الذهنية الّتي كانت مقفلة في خزانة الحافظ، وبذلك يمكن للمبدع الحصول على وجود المقارنات بين المعلومات السابقة والمعلومات اللاحقة ثم يقوم بإعطاء المميزات والفوارق العلمية فيأخذ تارة على نحو المرجحات بين العلمين وكيفية التطابق فيما بين العلمين والمعلومين في مقام الواقع أو يكفي مجرد التطبيق بغض النظر عن التطابق الواقعي أو عن مصادر الاستذكار تارة عن طريق تداعي المعاني وأخرى عن طريق المحاكاة وإنما غرض الاستذكار هو الجمع بين شتات الصور المخزونة لكي يتوصل إلى طريق الاستنتاج العام أو الخاص.
كما أنّ ما يوجب الانتقال بواسطة الحركة الاستذكارية من مبادئ تصورية أو من مبادئ تصديقية للوقوف على مرحلة الابداع العلمي النظري أو الابداعي التطبيقي فإذا توصل من خلال ذلك الوجود انقدح إلى عالم الذهن واستخرج تلك الأمور المخزونة
من خلال حركة الانتزاع والاستنباط العلمي إلى عالم الخارج وأعطاها الصياغة العلمية المناسبة أو يكفي بمجرد الاشارة إلى تلك الشفرة العلمية الّتي كانت خفية في عالم الصقع الذهني وألمسها للمختصين في مقام الحقل العلمي كما بالنسبة إلى الوصول نحو القوة الكهربائية المنقدحة من قوة السالب والموجب أو حصول الصقع الكهربائي على تحريك الجينات لدولي في ناحية الاستنساخ الحيواني.

الارجاع الاستقرائي
وأمّا بيان الارجاع الاستقرائي وذلك عندما يمرّ المبدع في حركته الاستقصائية ابتداء من الخاص فيقوم بتتبع الجزئيات إمّا على نحو الاستقراء التام وإمّا على نحو الاستقراء الناقص فإن أمكنه الاحاطة بجميع الجزئيات والأفراد بناء على تمامية القدرة على الفحص التام لكافة أفراد المستقرئ كمتابعة تحريك فك التمساح الأعلى دون الأسفل إذا حكم المسقرئ بالعلم لجميع أفراد التمساح يكون حكمه قطعيا لا تردد فيه، وعليه يكون دور المبدع انتزاع ضابطة معيارية عامة يستولد من خلالها وجود تلك الارجاعات الفردية إلى الانتقال نحو الضابطة الكلية أو ما نطلق عليها بالكبرى العلمية العامة المنبثقة من خلال الحركة الاستقرائية وهذه لا علاقة لها بالحركة الاستنباطية، وهذا عندما مرّ الامام علي عليه‏السلام على تدافع المياه فقال: «لو شئتم لاستخرجت من مائكم هذا نورا» وهو يشير إلى الكهرباء، أو ما ذكر في نظرية جاليلو عندما سقطت التفاحة من الأعلى فانتقل إلى قانون الجاذبية وهو دليل الارجاع عن طريق الاستقراء وبذلك توصل إلى قانون الجاذبية.

الارجاع الاستبطاني
وأمّا المراد بالارجاع الاستبطاني وهو عبارة عن تضمن قضية استنباطية لقضية استنباطية أخرى داخلة إمّا بنحو التضمين أو التضمن أو الإلتزام سواء كان الالتزام خفيا أم جليا ويحسن أن نقدم المثال لتوضيح الحال كالبحث عن الامارات وهي الطرق الظنية العامة الّتي يستبطن فيها الظن الّذي قام الدليل عليه بالخصوص ويسمى بالظن
الخاص دون الظن العام فإن الّذي ينظر إليه على نحو ترتب الآثار الشرعية هو الثاني دون الأول؛ ولذا فإنّ مثل قوله تعالى « إنّ الظن لا يغني من الحق شيئا » أو قوله تعالى « قتل الخراصون » إلى غير ذلك فإنّ الظن المطلق لا يؤخذ به وإنما الّذي قام عليه الاعتبار بالخصوص وهو ما يسمى بالظن المستبطن، وهكذا بالنسبة إلى العلم الاجمالي الكبير كموط‏ء الغنم للأبيض والأسود والعلم الاجمالي الصغير فيما لو كان العلم الاجمالي ثبت أنّ الموطوء في البيض فإنّ العلم الاجمالي الصغير مستبطن في العلم الاجمالي الكبير، وبذلك يكون من نوع إرجاع الأصغر للأكبر والأقل للأكثر الّذي أحد تصوراته ما أخذ فيه على نحو الانضمام بنحو بشرط شيء ولا بشرط أو لا بشرط بالقياس إلى الأقل بالنظر إلى الأكثر وقد أشرنا إلى مفهوم الاستبطان تارة على نحو الجزء للمركب وقد مثلنا له بالظن المطلق والظن الخاص أو العلم الاجمالي الكبير والعلم الاجمالي الصغير وأخرى ينظر إليه على نحو التضمين دون التضمن فإن الأول قصد به المقارنة بين وجود ووجود كالتحاق الدار إلى البستان وهو ما يسمى بالتضمين وليس الدار مأخوذة جزءا مع البستان أو العكس بخلاف قولك الانسان حيوان ناطق فإنّ الحيوان الناطق جزء من الانسان على التضمن دون التضمين كما أنّ الاستبطان يشمل الاستلزامات الأعم من المستلزمات العقلية والعرفية والعادية، كل ذلك من نوع الارجاع الاستبطاني أيضا.

الارجاع التأليفي
وأمّا المراد بالارجاع التأليفي وهو ما يقوم عليه المبدع في تشكيل القضية من قواعد وأصول يمكن من ذلك أن يؤلف بعضها إلى بعض سواء كان ذلك في عالم التجريبيات أو التجريدات فيكون عندئذٍ قد توصل إلى حقيقة الابداع النظري أو العملي بعد أن تمكن من حسن التأليف فيما بين الأجزاء العقلية أو المادية كما يشترط في حال الرجوع إلى التأليف أن يقوم بالطرق المنهجية العلمية الّتي يرتكز كل عنصر على نوعه في ناحية اثبات العلاقة بين الأجزاء التركيبية ومن بين هذه الشروط رعاية المسانخة بين كل نوع مع النوع الآخر حتى يتم وجود وحدة حقيقية ليتمكن المبدع
من الانتقال ثم الارتقاء إلى سلم نوع الابداع بعد توفر الشرائط العامة فيما بين العلة من المقتضي والشرط وعدم المانع ثم الحصول إلى مرحلة الفعلية كالقيام باشتعال الحطب إلاّ أن مقام الواقعيات والأمور الاعتبارية خاضعة إلى تلك الشروط بلحاظ مسانخها وإنّ الجانب التأليفي لا يتم إلاّ إذا توفرت هذه الشرائط العامة في جميع المستويات المقولية والواقعية والاعتبارية وعندئذٍ تأخذ شكلها المناسب في الحصول على النتيجة المطلوبة.

الارجاع الاحتمالي (الترددي)
وأمّا المقصود من الإرجاع الترددي أو الاحتمالي بتعبير آخر وهو عندما يقوم المبدع في عرض الصور المحتملة فتارة يجعلها بين معادلات رياضية غير قابلة للخطأ ويكون قد حصرها بين النفي والاثبات كتردد الطبيب في اجراء عملية القلب أو الكلى مثلاً فإذا توصل في التردد إلى الدوران بين النفي والاثبات بحيث يقع تارة بين حاصرين وأخرى بين محتملات عديدة فإن كان على الأول بحيث يرجع إلى ترجيح الحياة على الطرف الآخر لما يجد من نفسه بحسب قوانينه العلمية إنّ إجراء العملية تكون ناجحة فيقدم على ذلك لقوة المحتمل وأخرى لا يقدم على إجراء العملية الجراحية لعدم توفر وجود تلك المرجحات وعدم حصول تلك المعادلات الرياضية الّتي توجب له الاقدام.
وأخرى تكون الصور المحتملة من نوع حساب الاحتمالات فيأخذ بسلسلة من الاحتمالات فإذا لم تصادف الواقع جعلها في سلة المحذوفات حتى يعمل إلى نهاية المطاف في الدخول نحو المحتمل الّذي يقرب إليه في مقام النتيجة فإذا حصل على المطلوب كان مبدعا وإلاّ أخذ العدّ من الأول، وهكذا فيكرر ذلك مرات ومرات ولا يقف لأنّ طريقة الاحتمال تقتضي ذلك بحسب نظره ما لم يفند نظره حساب المحتملات كما تعرضنا على ذلك في كتابنا عناصر العلوم والدراسات الأصولية في مناقشة السيد الصدر رحمه‏الله.

الارجاع الايحائي
وأمّا بيان الارجاع الإيحائي وذلك في حال الرجوع إلى قوة غير إرادية أو ما يسمى بالرجوع إلى العقل الباطني فإنه عندما يتحرك المبدع إلى ناحية التردد في عالم القوة المتخيلة، ويكون بين النفي والاثبات فيما بين الأفراد المحتملة أو الطرد والعكس ولكن بنحو الاحتمال والتردد أيضا او الارجاع إلى ما بين المقارنات القريبة أو البعيدة فإذا أجهد في الحركة العلمية مع معرفة الأدلة البرهانية والضوابط العلمية بعدم مداخلة بعض الأفراد مع بعضها الآخر سواء كان بمنظار التردد بين الكلي مع فرده أو الكل مع أجزائه وعندئذٍ يصل إلى حالة من الشعور غير المتوقع أو ما يسمى بالإيحاء ويقظة الضمير الحر فينتقل إلى قانون ذلك المحتمل الغائب وهو من الأسرار الخفية الّتي أودعها اللّه‏ في باطن الإنسان فيعطيه على مقدار استعداده في ناحية قابلية المحل كما أنه بالنسبة إلى فاعليته يعطيه على طبق عدله عند طرف وإنّ الممكن باب نوره الّذي عبر عن نفسه سبحانه بأنه نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري فيشرق اللّه‏ بنور علمه على الإنسان من تلك القبسات والشعل النورية.

الارجاع الاستنباطي
وأمّا المراد بالإرجاع الاستنباطي وهو عندما يكون للمبدع القوة في الوصول إلى الطرق الاستنتاجية من خلال ضم الكبريات إلى الصغريات فيأخذ بدور الاستنتاج بغض النظر عن معرفته بالطرق والبراهين العلمية المصطلحة لأنه ربما يكون للبعض من لا خلفية له في مقام الصناعة، وإنما يتحرك من منطلق الأمور الارتكازية الفطرية فيصل إلى النتيجة الّتي هي أعم من كونها مستولدة من المبادئ الصناعية المسلمة أو غيرها.
المصدر بحث رقم ( 105 ) اية الله ال شبير الخاقاني تحقيق الدكتور الشيخ سجاد الشمري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق