الجمعة، 16 أكتوبر 2009

الاستنساخ البشري

تفسير سورة البقرة
بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة دائرة المرأة العالمية في نيويورك موضوع رقم ( ع 90 ك 45 و 875 ) حقوق النشر محفوظة

الاستنساخ البشري

ان الآية رقم (106) تتعرض إلى ناحية قواعد النسخ حيث يمكن ان يقسم ابتداء الى قسمين:
1 ـ النسخ التكويني
2 ـ النسخ التشريعي
فأما القسم الأوّل فيمكننا ان نتناول البحث تارة بمعنى إزالة وجود وانتقال وجود آخر كما يقال نسخت الشمس الظل ونسخ الشيب الشباب واخرى تحويره إلى وجود ثاني مساغ للوجود الأول كما عليه نظرية الاستنساخ في العصر الحديث كما حدث في اخذ الجينات من المشاة وتحويرها إلى شاة اطلق عليها باسم (دولي) وكانت فكرة الاستنساخ أو ما يسمى بالتنسيل وهي قديمة حدثت عند الصينيين وتناول بحثها متاخرا في المانيا في العقد الثالث من هذا القرن وكانت المحاولة الأولى في تجميد خلايا بقرة عند درجة 79 تحت الصفر لنقلها إلى بقرة أخرى وذلك عام 1950 م وفي عام 1952م كانت محاولة الاستنساخ الضفدعة على يد روبرت برجس وتوماس كنك وفي عام 1960م استطاع العلماء استنساخ النباتات وفي عام 1963م قام جون جاردن باستنساخ الضفادع وفي عام 1983م حملت أول أم جنينا بالتلقيح الصناعي وفي عام 1985م قام العالم رالف برسنر باستخدام تقنية الهندسة الوراثية لتمكين خنازير في المعمل لانتاج هرمونات النمو البشرية وفي عام 1993م ظهرت عدة أفلام للخيال العلمي في تصوير الاستنساخ البشري واستنساخ الديناصورات وفي عام 1997م اعلن ايان وبلموت مولد النعجة دوللى التي استنسخت من خلايا ضرع نعجة وليس من أجنة في معهد روزلين في أدنبرة[5].
ويراد بالهندسة الوراثية هي عبارة عن نقل قطعة من كروموسوم معين حامل لجين مشخص مسؤول عن تصنع بروتين ذي مواصفات معينة مدروسة إلى كائن حي آخر يفتقد هذا الجين وهذه الآلية الدقيقة والمعقدة إلى حدّ ما لها المبدأ نفسه سواء طبقت على اصغر الكائنات الحية كالفيروس والبكتريا أو أعقد الكائنات الحية في السلّم التطوري كالإنسان باستثناء بعض مفاصل الآلية اعتماداً على المكونات الكيمياوية ونسبتها الداخلة على تركيب الكائن الى الصغير أو خلايا الكائنات الحية الكبيرة[6].
ويقول الدكتور محمد الربيعي في جريدة الحياة ان التنسيل الحيوانى سيؤدي إلى انتاج أدوية محسنة وبكميات وافرة وإلى تحسين الانتاج الحيواني وتوفير أجهزة غيار للإنسان فالهندسة الوراثية علم تطبيقي يمكن ان يسهم بحل العديد من المشاكل المستعصية في عصرنا والتي تتراوح بين تكوين سلالات جديدة من النباتات الاقتصادية إلى معالجة التشويهات والأمراض الوراثية[7].
وقد تناولنا بحث الاستنساخ في جريدة القبس الكويتية وفي مؤتمر مسقط الاجتهاد والمجتمع الإسلامى المعاصر ـ تحت عنوان الاستنساخ والمثلث الهرمي ان ما يمثله الإنسان في تطوره العلمي حول الاستنساخ هو التصرف في الجينات وترسم خطوطه العريضة على النحو الآتي:
1 ـ إيجاد نسخة مماثلة دون مجرد المشابهة إذ فرق بين المماثلة والمشابهة فإن المماثلة تقع في أصل التكوين والوحدة الحقيقية على أن يصبح الفرد الثاني بالوجود يماثل الفرد الأول في الوجود حقيقة من غير اختلاف أصلاً بخلاف المشابهة فانها وان اتفقت في الصورة إلا إنها تختلف من حيث الحقيقة والماهية.
2 ـ إيجاد نسخة يمكن أن يحدث فيها الإنسان تغييرات وجودية كان يطوّل جسمه وإذنه أو يكبّر عينا ويصغر عينا وهذا مما يوجب تغييراً في خلق اللّه‏ بلحاظ الوجود التكويني دون الأمر العرضي إلا أن المراد بالذاتي هنا ما أخذ في أصل الوجود التكويني ولذا اطلقنا عليه بالأمر العرضي وهو محرم لصدق قوله تعالى «وَلاَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّا مِنْ دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانا مُبِينا»[8].
3 ـ إيجاد نسخة يسري عليه التغيير العرضي دون التغيير الذاتي (الجوهري) كتغيير صفة العين من البنّية إلى الصفراء ومن السواد إلى البياض أو العكس أو يجعله أسمر دون الأسود والأبيض، وهذا غير محرم لأنه لم يكن تغييرا جوهريّاً في خلق اللّه‏ وإنما هو تغيير صفتي وأمر عرضي نظير تلوين السيارة والبيت ونحوهما فجوهرية السيارة والبيت لم يكن تغييراً جوهرياً وإنما تغيير عرضي وأمر صفتي.
4 ـ إيجاد نسخة جزئية لا كلية كأن يوجد المستنسخ عضوا لأجل الترقيع، وهذا لا مانع منه إذا لم يستلزم وجود كائن حي متكامل ثم يقتله ويأخذ جزءاً منه لأجل مصلحة الأصل دون الفرع فإذا أوجب قتل حياة كان محرماً لا يقره الشرع ولا القانون ولا العرف وكان أمراً محرماً وإنما إذا أخذ الاستنساخ من خلية إنسان وزرعت في حيوان لترقيع بعض اعضائه التي تعتبر مقبولة عرفاً علمياً فلا مانع فيه.
5 ـ إيجاد نسخة من الإنسان على جزء من الحيوان كأن يجعل رأسه وذيله سمكة أو حيوان من الثديات كالفرس ونحوه كل ذلك إذا اقره العلم بحسب المنطق العلمي والعرف العام وهذا أيضاً محرم.
6 ـ النظر إلى العناوين الكلية في الاستنساخ فالميزان بحسب العناوين الأولية جائز لأنها تمثل ظاهرة علمية تختلف باختلاف الحيثيات والجهات فان أخذ فيها الاحتفاظ بأصل الوجود وعدم التلاعب في خلق اللّه‏ وتكوينه فهذا لا مانع منه وغير محرم وان كان النظر إلى الاستنساخ بحسب العنوان الثانوي فإذا أوجب اخذ الاستنساخ من فصيلة الذكر من الذكر أو الأنثى من الأنثى أو الذكر من الأنثى فان ذلك موجب لاختلال التوارث والأنساب وموازين القضاء فمثل هذا يمنعه الشارع للأدلة الثانوية دون الأدلة الأولية وما ثبت في معجزة نبي اللّه‏ عيسى عليه‏السلامبناءا على صدق الاستنساخ عليه علمياً فهو من نوع قضية شخصيّة لإثبات المعجزة وهو من الأمور الممكنة وليست من الأمور المحالة وهذا لا يكون حكماً كلياً وقضية عامة معيارية لأن ذلك يوجب اختلال نظام التوارث والأنساب وقواعد القضاء أيضاً.
7 ـ الاستنساخ والعامل البيئي فان العامل البيئي وان اوجب تغييراً في السلوك كما ورد في قوله صلى‏الله‏عليه‏و‏آله إياكم وخضراء الدمن فقيل يا رسول اللّه‏ عليه‏السلام وما خضراء الدمن قال المرأة الحسناء في منبت السوء وقد تحدثنا عن ذلك في كتابنا (الأخلاق بين النظرية والتطبيق) وأشرنا إلى مدى التأثير البيئي على الجانب الأخلاقي كما أنه في استنساخ الفرد الشرير إذا جعل في نبت حسن يمكن تغيره ما لم يكن مأخوذا فيه جهة الشقاء في أصل الذات كما ورد في قوله عليه‏السلامالسعيد سعيد في بطن أمه والشقي شقي فى بطن أمه وعليه تأتي شبهة الجبر في الوجود التكويني ولكن يمكن رفع الشبهة من خلال ان اللّه‏ لم يخلق الذات شقية وإنما جعل لها الاستعداد في الخير والشقاء دون التصرف في أصل وجود الشيء التكويني ولذا ورد في قوله تعالى: «انا هديناه النجدين»[9].
8 ـ الاستنساخ من الخلية الحية فهو مثار التحرك العلمي وأما إذا قدر الاستنساخ من خلية ميتة فهل ان ذلك موجب للقول بالتناسخ أو المسخ؟ والجواب أنه ليس من نوع المسخ إذ فرق بين النسخ، والمسخ ان حقيقة المسخ يوجد بطريق اختلاف الحقيقة والجهة الفعلية كما في قوله تعالى: «وجعل منهم القردة والخنازير»[10] وأما النسخ فهو الّذي يتفق من حقيقة واحدة ولذا يقع على نحو جهة الماثلة والوحدة النوعية في أصل الجوهر والذات بحيث لا تخرج الذات عن طبيعة الخلقة الاصلية فلا مانع منه وان قدر التلاعب بالجينات الحيوانية على شكل يجعل الفرس كالعصفور والعصفور كالجمل لأجل إخراجه عن خلقته الأصلية أو مثل الديك في جعله بلبلاً مفرداً.
9 ـ الاستنساخ في الحيوانات والنباتات فان استنساخ الحيوان ان كان بصورة متعارفة بنحو الاستنساخ الكلي الطبيعي للحيوان وليس بنحو قضية جزئية حرم لاستلزامه السخرية والتبكيت في خلق اللّه‏ وإخراجه عن حالته الأولى الّتي سخرها اللّه‏ لعباده وتكون حرمتها بالأدلة الثانوية دون الأدلة الأولية وأما إجراء الاستنساخ فى النباتات فلا مانع منه سواء كان بحجم متعارف أم غير متعارف وذلك إذا قدر فيه للاستخدام المناسب للعرف العام فلو قدر استنساخ بطيخة بقدر الجبل وكان فيها وجه استخدام مناسب من غير اسراف أو تبذير لم يكن خروجا عن المتعارف لحصول الدافع المحلل لدى العرف العام وبناء العقلاء وأما إذا أوجب في وجود استنساخ النبات عدم الاستخدام المناسب للعرف العام فان ذلك يوجب تلفاً وإسرافاً فيحرم بالعنوان الثانوي.
10 ـ ورد الاستنساخ في القرآن الكريم في قوله تعالى «وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إلا اُمَمٌ أمْثَالُكُمْ»[11].

وقوله تعالى «وَإذَا شِئْـنَا بَدَّلْنَا أمْثَالَهُمْ تَـبْدِيلاً»[12].
وقوله تعالى «فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ»[13].
وقوله تعالى «مَنْ لَعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ القِرَدَةَ وَالخَنَازِيرَ»[14].
وقوله تعالى «فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ»[15].
وقوله تعالى «أفَرَأيْتُمْ مَا تُمْنُونَ* أأنْتُمْ تَخْلُـقُونَهُ أمْ نَحْنُ الخَالِقُونَ»[16].
وقوله تعالى «فَاسْتَفْتِهِمْ أهُمْ أشَدُّ خَلْقا أمْ مَنْ خَلَـقْنَا»[17].
وقوله تعالى «وَقَالُوا أإذَا كُـنَّا عِظَاما وَرُفَاتا أئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقا جَدِيدا»[18].
وقوله تعالى «قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أوْ حَدِيدا* أوْ خَلْقا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ»[19].
ولا يخفى ان النظر إلى مجموع هذه الآيات وغيرها يمكن ان نتصور بحسب نظرية الاستنساخ في قوله تعالى «وَإذَا شِئْـنَا بَدَّلْنَا أمْثَالَهُمْ تَـبْدِيلاً»[20] يدل على وجود إمكانية الاستبدال تارة بأمر مسانخ لوجود مخلوق من تلك الفصيلة وأخرى بامكانية الاستبدال ماخوذ من تلك الخلية الجينية إلا أنه توجد من الصفات الكمالية الوراثية للخلية الجينية وقوله تبارك وتعالى «فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ» يستظهر من هذه الآية الاختلاف في حقيقة الممسوخ حقيقة أخرى وعليه يكون الفرق بين المسخ وبين النسخ ان النسخ قصد به اتحاد الحقيقة بخلاف المسخ وهكذا الحال في موضوع قوله تعالى «مَنْ لَعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ القِرَدَةَ وَالخَنَازِيرَ»[21] يستكشف منها إمكانية الجعل التكويني من قبل اللّه‏ في نسخ الوجود البشري إلى وجود حقيقة متباينة مثل القرد والخنزير بما أنهما كائنان حيان عبر عن ذلك بالمسخ وأما قوله تعالى «قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أوْ حَدِيدا» فالمراد به موضوع الرسخ وهو ما انتقل من كائن حيّ إلى وجود مادة جسمانية أو ان القرآن تطرق إلى استبعاد الإنسان له في قوله تعالى «وَقَالُوا أإذَا كُـنَّا عِظَاما وَرُفَاتا» وذلك عند تجزءة أصل المادة لم يبق من تلك الأبدان غير العظام ثم أصبحت العظام رفاتا فأمر اللّه‏ بالأمر التسخيرى ان يكونوا حجارة أو حديداً وان ما يكون بيد اللّه‏ من استنساخ المادة الاصلية تارة بنظرية عود نفسها وأخرى بنظرية مماثلة فهو أبعدو أصعب في ايهم من تبديل العظام والرفات وثبت من خلال ذلك ان القدرة الإلهية بها الارادة المطلقة على تحديد تلك الخلقة بنفسها وهي نظرية الإرجاع العيني أو الإرجاع المماثلي كما في قوله تعالى «أإذَا كُـنَّا عِظَاما وَرُفَاتا»وعليه يمكن تصنيف الآيات إلى ثلاثة أقسام:
أ ـ آية النسخ قوله تعالى «إذَا شِئْـنَا بَدَّلْنَا أمْثَالَهُمْ تَـبْدِيلاً».
ب ـ آية قوله تعالى «فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ» وقوله تعالى «مَنْ لَعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ القِرَدَةَ وَالخَنَازِيرَ» .
ج ـ آية الرسخ قوله تعالى «كُونُوا حِجَارَةً أوْ حَدِيدا» اذ لوحظ في الآية توجه الخطاب الأمري على نحو الإيجاد التكويني دون النظر إلى رفع ما يتوهم من وقوع الشبهة في إنكار المعاد وذلك يمكن أن تنصب الآية إلى جهة تعدد الحيثيّة.
11 ـ الاستنساخ في نظر الفلاسفة ونتحدّث عن وجود الاستنساخ في نظر الفلاسفة التقليديين حيث يذهبون إلى إمكانية استنساخ كما عليه أفلاطون وسقراط ونحوهما ولكن غرضهم في الاستنساخ عبارة عن وجود التناسخ في الأرواح في عالم الآخرة كما ان الاستنساخ عندما يصطلحون عليه يقصدون به تحسين الأعمال وأنه كلما يحدثه للإنسان من أعمال شريرة تتجسد له أعمال شريرة مسانخة لعمله في عالم الآخرة كالعقارب والحيتان والأفاعي ونحوها وبالجملة يقع البحث تحت نظريات:
أولاً ـ إمكانية الاستنساخ المادي ويمكن اثباته بأدلة علمية وعقلية ونقلية من الآيات والروايات إذ الأدلة العلمية يتناولها العلم الحديث كما هو الشاهد اعلامياً وأما الأدلة العقلية فهي قابلة للمناقشة كما نورده فيما يأتي.
وأما الآيات فيمكن دعوى القول بالاستنساخ المادي دون الاستنساخ الروحي ولكن هل يراد به المماثلة الحقيقية أو المشابهة وسوف نوضح ذلك بعدم تصور الاستنساخ فلسفياً، وأما الروايات قوله صلى‏الله‏عليه‏و‏آله كما تعيشون تموتون وكما تنامون تبعثون وروى عنه صلى‏الله‏عليه‏و‏آله يحشر بعض الناس على صورة يحسن عندها القردة والخنازير وورد في الحديث ما مضمونه من خالف الإمام في أفعال الصلاة يحشر ورأسه رأس حمار.
ثانياً: نظرية الفلاسفة التقليديين بين المجوزين للاستنساخ الروحي أن في عالم الآخرة سوف تكون الروح المستنسخة حالة في الهون بعد زوالها عنهما كما ذهب ملا صدرا الشيرازي المتوفى عام 1050 ه ـ رحمهم‏اللهفي أسفاره عبارة عن استرجاع النفس [22].
ثالثاً: نظرية ابطال التناسخ كما عليه ملا صدرا القائل بإبطال التناسخ إذ يقول في وجه البطلان ان النفس كما علمت مرارا لها تعلق ذاتي بالبدن والتركيب بينهما تركيب طبيعي اتحادي وان لكل منهما مع الآخر حركة ذاتية جوهرية والنفس في أول حدوثها أمر بالقوة في كل ما لها من الأحوال وكذا البدن ولها في كل وقت شأن آخر من الشؤون الذاتية بأزاء من الصبا والطفولة والشباب والشيخوخة والهرم وغيرها وهما معا يخرجان من القوة إلى الفعل ودرجات القوة في كل نفس معينة بأزاء القوة والفعل فى بدنه الخاص به ما دام تعلقها البدني وما نفس ألا تخرج من القوة الى الفعل في مدة حياتها الجسمانية ولها بحسب الأعمال حسنة كانت أم سيئة ضرب من الفعل الفعلية والتحصل في الوجوب (الوجود) سواء كان في السعادة أم الشقاء فإذا صارت بالفعل في نوع من الأنواع استحالت صيرورتها تارة أخرى في حد القوة المحضة كما استحالت صيرورة الحيوان بعد بلوغه إلى تمام الخلقة مضغة وعلقة لأن هذه الحركة جوهرية ذاتية لا يمكن خلافها بقسر أو طبع أو إرادة أو اتفاق فلو تعلقت نفس منسلخة ببدن آخر عنك كونه جنيناً او غير ذلك يلزم كون احدهما بالقوة والآخر بالفعل وكون الشيء بما هو بالفعل بالقوة وذلك ممتنع لأن التركيب بينهما طبيعي اتحادي والتركيب الطبيعي يستحيل بين أمرين أحداهما بالفعل والآخر بالقوة.
وتكون ملخص حديث الفيلسوف الشيرازي بعدم صحة التناسخ في الأرواح حيث يلزم منه لازماً فاسدا وتلك بعد أن أصبحت النفس متحدة مع البدن إلى دور الفعلية وخروجه من عالم القوة فلانة يكون ما بالفعل إلى ما بالقوة وهو أمر ممتنع عقلاً كما انه ممتنع علمياً أيضاً هذا مع أنه يلزم اشكال آخر وهو ان ما ترجع إليه النفس وهو البدن ان كان الأول يلزم الاشكال الاول وان كان بدن آخر يلزم عود النفس إلى وجود بدن آخر غير ما حل بالأول فيكون ما اتحد بالنفس ووصوله الى مرتبة الفعلية والكمال يلزم منه العودة إلى وجود آخر غير ما اتحد معه أولاً.
12 ـ الاستنساخ بين العلم والفلسفة تطرقنا إلى الاستنساخ في نظرية الفلاسفة وأنه ينقسم إلى قسمين:
أولاً: استنساخ من حيث المادة
ثانياً: ـ استنساخ من حيث الروح
وما ذهب إليه جماعة من الفلاسفة على إبطال التناسخ في الارواح يمكن القول بالتوفيق بين من يرى من الفلاسفة ان الاستنساخ بحسب المادة كما يستدل على رأيهم في قوله تعالى «كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودا غَيْرَهَا»[23] وقوله تعالى «وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أحَدا»[24] وقوله تعالى «يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ ألْسِنَتُهُمْ وَأيْدِيهِمْ وَأرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»[25] وقوله تعالى «بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أنْ نُسَوِّيَ بَـنَانَهُ»[26].
كل هذه الآيات تمثل إمكانية الإستنساخ المادي سواء في عالم الدنيا كما في الآية الأخيرة أم في عالم الآخرة إلا أن الاستنساخ الآخروي في الجانب المادي يخص تجسيد الأعمال وهذا إتجاه آخر يسلكه بعض الفلاسفة وان كان هناك اتجاه آخر لا يؤمن بهذا الإتجاه ويرى وجود الثواب والعقاب ليس من سنخ الأعمال التجسيديّة.
وعليه فالقدرة الإلهية إنما تكشف عن وقوع الشيء الممكن دون الشيء الممتنع كاجتماع النقيضين والضدين والمثلين أو الدور أو التسلسل، وإنما خلق اللّه‏ للإنسان الطرق العلمية لكشف الحقائق لكي يستعين بها على المعرفة والوصول إلى الإيمان باللّه‏ وان ما تقوم به الظاهرة العلمية في مجال الاستنساخ سواء كان مع الحيوان مثل (دوللي) النعجة أو النباتات والبشر، كل ذلك يمثل قدرة اللّه‏ في خلقه، ومثل هذا النحو وأمثاله لا يتنافى مع الدين إذ يقول سبحانه وتعالى «وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ»[27] وقوله تعالى «وَفِي أنفُسِكُمْ أفَلا تُبْصِرُونَ»[28] كما أنه لابد من التمييز بين من أوجد الخلية (الجينة) من اللاشيئية إلى الشيئية ومن كتم العدم إلى الوجود وبين وجود الخلية وكائن الا أنه اجرى عليها التجارب في حالة النقلة والدور الحركي لوجودها من حيث انشطارها أو من حيث ايقاع صقع كهربائي عليها أوجب لها التحرك كما في أخذ خلية (B) مع خلية (A) وجعلها في مادة (DNA) مسبّبة عن شحنة كهربائية أوجبت عن الخلية ثم بعد ذلك تم زرعها في رحم (الأم) كما حدث في استنساخ النعجة (دوللي).
فالنظر إلى مثل هذا العمل من حيث العنوان الاولى جائز وهو تثبيت لقدرة اللّه‏ في خلقه وعظمته في مخلوقاته والبشر لم يأتوا بشيء من كتم العدم وإنما له وجوده وإنما كان المختبر العلمي مجرد أداة تقريبية موصولة بين المواد بعضها مع بعض ومسألة التحريم تتعنون بالعنوان الثانوي، والجانب الأخلاقي في بعض الجوانب الأخرى ولابد أن يفرق بين المنطق العلمي والعنوان الثانوي والجانب الأخلاقي، والّذي نلاحظه من جميع الاطروحات الخلط في هذه العناوين ولم يميز بين العناوين الأولية والعناوين الثانوية، وينبغي على من أجرى الافتاء على لسانه ان لا يتسارع في الفتيا وإنما عليه تشخيص الموضوع حتى يمكنه إجراء الحكم بعد ذلك إذ الملاحظ من المخطط العلمي في تصوير الهندسة الوراثية ان ما يعبر عن الاستنساخ بالتكاثر الخلوي أو التكاثر الجيني وان كلمة جينات معربة عن كلمة العناصر الوراثية وهي عبارة أخرى عن مركبات عضوية توصف بالأحماض الامينية وان هذه المركبات العضوية تحمل خصائص وراثية بين كل فرد وآخر يختلف بخصوصية كامنة في ذاته بواسطة ما انتقلت من الخصوصية أو الخاصية من قبل الآباء والأمهات فينقل منهما إلى الأبناء وهذا الانتقال يقع بواسطة الجينة في حال اندماج البويضة بالسائل المنوي، ولكن بالنسبة إلى الدور الجيني يمثل طرفاً واحداً وليس من طرفين ألا أنه في حال إنشطار الخلية من قبل الأم توجد فيها تلك العناصر الوراثية أيضاً كما في الجنين وعليه يقع التسائل بأن مثل هذه العناصر الوراثية إذا تمت للحيوان فهل تتم في الإنسان بينما الإنسان يحمل مواصفات وملكات أخرى قد تنفرد عن العناصر الوراثية كما يحدث ذلك عن طريق العامل البيئي وقد اجبنا عن ذلك في عدة مواطن ان البيئة ربما توجب تغييراً أخلاقياً وراثياً، ولكن لا توجب تغييراً غريزياً، فالعناصر الوراثية التي مصدرها الجانب العرضي توجب التغيير، وأما الصفات الغريزية فالبيئة قاصرة عن التغيير السلوكي الكلّي فان من كانت غريزته الجوع أو العطش أو الجنس لا يمكن تغيرها بالعامل البيئي بحيث يحقق زوالها كلية ولكن من كان في نفسه الخوف أو الشجاعة إذا جلس في بيئة يتسم مجتمعها بالشجاعة يكون شجاعاً بالاكتساب وان كان منطويا في قرارة نفسه الخوف أومن جلس في بيئة يتسم أهلها بالجبن وان كان شجاعاً تقلّ عنده تلك الغريزة ولكن لا تنعدم بتاتاً.
13 ـ الاستنساخ البشري بين السلبية والإيجابية ـ ان ما نتوقعه في الإعلان عن الاستنساخ البشري من الجهة السلبية من حيث العناوين الثانوية ان الاستنساخ كان يكون استنساخ الذكر من الذكر أو استنساخ الأنثى من الأنثى أو استنساخ الذكر من الأنثى أو العكس من غير الزوجين أو استنساخ الذكر والأنثى من غير أب شرعي فان ذلك يوجب تلاعباً في الأنساب والمواريث وسنن القضاء وقواعده وتضييع للحقوق البشرية إضافة إلى إمكانية حدوث أمراض وراثية تسبب كارثة بشرية كضمور المسخ الوراثي وعمى الشبكية الوراثية والصرع الوراثي والتشويهات الخلقية وأمراض الدم الوراثية ونحوها كما ان من جملة الأمور السلبية أيضاً قلة العاطفة وعدم الاخضاع تحت عنوان الأسرة المنبعثة عن الأبوين وبذلك يسبب هدم الأسرة كما ان أضرار الاستنساخ أيضاً عدم التوازن الانثوي أو الذكري وقد ذكر عن منظمة الصحة العالمية ـ حنيف (كونا) أنها أدانت الاستنساخ البشري.
وقال مدير عام المنظمة (هيروشي ناكاجيما) في بيان ان منظمة الصحة تعتبر أن استخدام الاستنساخ البشري أمر غير مقبول من الناحية الأخلاقية إذ أنه يشكل انتهاكاً لبعض المبادى‏ء الأساسية التي تنظم مسائل التناسل المعتمد على مساعدة طبية أوضح ان هذه المبادى‏ء تتضمن احترام كرامة الكائن البشري وحماية أمن المواد الجينية البشرية.
وأما من الوجه الايجابية فيمكن أن ينتفع بالاستنساخ البشري لأكثار كلمة لا إله إلا اللّه‏ وان محمداً رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله فان هذه الكلمة عند ما تطلق من قبل الموحد توجد ثقلاً على الأرض كما وردت عدة روايات في باب النكاح ان النبي صلى‏الله‏عليه‏و‏آلهيتفاخر فيما بين الأمر ولو بالسقط كما أن من جملة الأمور الإيجابية في الاستنساخ البشري للخدمة البشرية كالترقيع الجسدي ولكن بشرط عدم الروح وعدم قتل الفرع للأصل وذكر أن من جملة الفوائد في وجود الاستنساخ بما تهدف إليها (ولمت) الباحث البريطاني هي اغراض إنسانية من خلالها استخراج كميات كبيرة من البروتينات عن طريق الثدي كما في ثدي الشاة المستنسخة وبيعها كعنصر غذائي.
وأما ما يختص بموضوع الاستنساخ نفسه فيتحقق من طرف واحد كما هو المفروض وليس من طرفين فينتج الخلية تارة من الذكر وأخرى من الأنثى عندما يحصل الانشطار في الخلية الأولى ويكون بافراغ صعق كهربائي يحدث وجود حركة لهما ثم جعلها في رحم ثم ان هناك ملاحظة وهي جهة الفرق بين الاستنساخ العضوي والاستنساخ الراجع إلى الحمض النووي (DNA) فإنه كما ذكر ان الطبيب الصيني (تاو) أجرى تجربة على استنساخ عضوي وذلك بأخذ خلايا من العضو واجرى على جهاز مصنوع من (مادة خاصة على شكل حامل) ونقل الجزء الغضروفي المتكون من الخلايا وزرعه في فأر ستة أسابيع وأما بالنسبة إلى الاستنساخ للحمض النووي (DNA) فانه يوجب تكثر انسجة (الخلايا) وعلى الحالين من ملاحظة التفرقة العلمية ان تمت مصداقيتها خارجاً فيمكن أن يترتب الحكم الفقهي على تلك الموضوعات العلمية الحقيقية وان كان البعض يرى التشكيك في هذا التفرقة بين الاستنساخ العضوي واستنساخ الحمض النووي (DNA).
وأما إذا أخذت النظرية بحسب الميزان الكلي لقاعدة الإنقسام الخلوي (الأم) إلى خليتين (حيث يتم فصلها) ثم بعد ذلك تنشطر الخليتان إلى أربع خلايا وهذا يسري في العضو كما يسري من مجموع الجسم ولكن هذا محتاج إلى اثبات دليل علمي، وان كان بحسب المفهوم العام يكون النظر إلى طبيعي الحكم وليس إلى شخصه.
وعلى ضوء هذا العرض العلمي اتضح الكشف العلمي أيضاً على إمكانية الاستدلال من اندماج اثنين من الكروموزمات أحدهما من الذكر والثاني من الانثى كما في الحيوانات فان الكروموزمات أحدهما من الذكر والثاني من الأنثى كما في الحيوانات فان الكروموزمين بإمكانها أن تأتي من انثى البقر مثلاً من غير حاجة الذكر ـ الثور ـ وبذلك يمكن وجود وحدة نوعية من فصيلة البقر خاصة انثوية وينتج من هذا الاكتشاف العلمي الحيواني حدوث حيوانات انثوية من غير الحاجة للذكور.
14 ـ مع القول بإمكانية الاستنساخ البشري المادي هل يمكن الانطباق على وجوه الاستنساخ الروحي بمعنى أن ما يفرض وجود (A) الأصل حال استنساخ (B) الفرع يكون وجوده عين وجود الأصل بتمام المشخصات حتى في الجانب الروحي بمعنى أن ما يحدثه وجود (B) هو نفس ما يحدثه (A) وعليه تقع المثلية الحقيقية بين الأصل والفرع.

ولكن التحقيق العلمي والفلسفي حصول المباينة بين الفرع والأصل تارة من حيث المادة والصورة وأخرى من حيث الروح والنفس، إذ ما يثبته العلم الحديث أخذ خلية من طرف واحد أوجب الانشطار إلى جزءين وخليتين ثم توضعان في كائن حي لأجل الأخصاب فهو في الحقيقة لم تتم المماثلة الحقيقية من حيث المادة والصورة وان أدت المشابهة القريبة من حيث المثلية في واقع الأمر وذلك من نوع المشابهة دون المماثلة بالاضافة إلى عدم وجود تناسخ روحي تقرر من ابطال التناسخ الروحي كما عليه الفيلسوف الإلهي ملا صدرا الشيرازي وبذلك يتضح عدم التطابق لا في المادة ولا في الروح والنفس وإنما يطلق علماء الاجنة على مثل الاستنساخ البشري لأنهم يسيرون على ضوء الشكلية في الصورة دون الارجاع إلى ما تحمله المادة من خصائص جوهرية دقيقة ربما لا يدركها العلم الحديث وان بلغ من التطور العلمي الكيميائي والفيزيائي والجيولوجي وغيرهم إذا لم يرجعوا إلى موازين فلسفية يكونون سطحيين في الفهم العلمي.
15 ـ على ضوء ما اشرنا إليه من الإختلاف في الاستنساخ في المادة المستنسخة وكذا في الجانب الروحي بناءً على الالتزام به وأنكرنا ذلك تتضح مسألة فرعية وهي عندما تقتطع الخلية من الجسم (الأصل) وأحدث جسم آخر وهو (الفرع) فلا مجال للقول بأنه في حال تولده هل يكون (A) الأصل هو عين (B) الفرع وهل يصح ان يشارك الفرع في التزويج من زوجة (A) الأصل كما أنه هل يملك عقاره أو يكون ابن الأصل له أبو الأصل (- Aو B)[29] وهكذا فإن كل هذه متفرعات على تلك القواعد.

المصدر بحث رقم ( 275 ) اية الله ال شبير الخاقاني تحقيق الدكتور الشيخ سجاد الشمري

...............


[6] . مجلة العالم العدد 533 لعام 1995م مقال للدكتور حامد أحمد.
[7] . جريدة الحياة 31 /3/1997م.
[8] . سورة النساء آية 119.
[9] . البلد ـ 10.
[10] . سورة المائدة 60.
[11] . سورة الأنعام 38.
[12] . سورة الإنسان 28.
[13] . سورة البقرة 65.
[14] . سورة المائدة 60.
[15] . سورة الاعراف 166.
[16] . سورة الواقعة 58 ـ 59.
[17] . سورة الصافات 11.
[18] . سورة الإسراء 49.
[19] . سورة الإسراء 50 ـ 51.
[20] . الإنسان 28.
[21] . المائدة 60.
[22] . الأسفار الأربعة ج9 ص5 ملا صدرا الشيرازي.
[23] . النساء 56.
[24] . الكهف 49.
[25] . النور ـ 24.
[26] . القيامة ـ 4.
[27] . الجاثية 13.
[28] . الذاريات 21.
[29] . الاجتهاد والمجتمع الإسلامي المعاصر ص144 ـ 193 للمؤلف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق